ما يشبه الوحم.
قصة قصيرة لحسين فيلالي.
القصة الفائزة بالجائزة الأولى في المسابقة الوطنية للقصة القصيرة
سنة1999
الإعلان في حد ذاته كان كافيا لإثارة غضبهم، وإثارة غضبهم معناه التحـدي لهم. سمعـوا الخبر جاؤوا من بعيد. عبروا البحر ، رست سفنهم على شاطئ البلدة .أحاطوا ببيتنا العتيق نظر بعضهم إلى بعض في شماتة، وبصوت ساخر قالوا:
افعلها إن استطعت.
نظرت من النافدة، كانوا جماعة، نسـاء، ورجال صفر الوجوه، وكنت وحدي ومع ذلك سولت لي نفسي التمـرد عليهم، وصحت:
لـن أفتح لكـم بيتنـا.
تقدم الرجل الذي كان منا،يدخل بيوتنا في المناسبات دون استئذان، يتحدث عن همومنا الساعات الطوال بدلا منا ، يرتب أحلامنا كيفما يشاء ثم يختفي دون وداع كما دخل أول مرة دون استقبال ، أو ترحيب .
فتح الباب لهم ، اندفعوا إلى الداخل ، قفزت مذعورا أخرجت سيف جدي عبد القادر،شهرتـه في وجوههـم ،و طلبت مبارزتهم، قهقهوا ، تهامسوا ، مسحوا بأعينهم جدران البيت و قالوا :
- لم نأت للحرب.
تقدم الرجل الذي كان يرتب أحلامنا و بصوت ماكر،قـال :
- هؤلاء مستثمرون أجانب
- وماذا يريدون ؟
- كراء بيتك على غرار ما فعلوا مع سكان البلدة .
- لن أتنازل عن شبر من بيتنا .
غضب الذي كان منا و بصوت آمر قال :
اخرس ، لقد عهدناك مواطنا صالحا، تتقدم المسيرات الشعبية، تنادي بحياتنا، و حياة الشعب .
- و أين اسكن ؟
تقدم الرجل الغريب عنا ، همس في أذني :
- تعيش بيننا
ربت على كتفي الذي كان يصادر احلامنا، و يتحدث عن همومنا بدلا منا و قال :
- تجلد يا رجل ، البلدة في حاجـة إلى تضحيتك، وهؤلاء أصدقاؤنا ، و أنت مواطن صالح.
و لست ادري كيف انطلت علي أكذوبة المواطن الصالح، و صرت كلما فكرت في التمرد عليهم توهمت أنني فعلا كما يدعون، و تحملت نجاستهم . و لست ادري من أين جاءتني الشجاعة هذه المـرة ،و بيت الأمر على الانتقام ، و هتفت غاضبا :
- غدا يكون لي معهم شأن جديد .
و كم كانت الدهشة كبيرة في اليوم الموالي، إذ لم أجد في المنزل من أحد ، لقد تغير ديكـور البيت
أسرة حمراء تناثرت في زوايا المنزل ، و علب مكدسة تشبه علب لعب الأطفال، كتب عليها صنع محلي.
فتحت إحداهن ، تطايرت منها اقراص " الفياجرا " و لعب بلاستيكية تشبـه لعب الأطفال.
ارتميت على سرير أحمر ، أعضائي تسقط في أسر التعب ، و الكرى بدأ يداعب جفوني ، أحسست أن أناسا يقاسمونني السرير، أجساد طريـة تزاحمنـي، و بدأت حركة عجيبة تدب في السرير.
رفعت رأسي إلى السقف ، نساء ، و رجال عراة في أوضاع مشينة ، قلبت بصري إلى الجدران إلى الأرض ، بدؤوا يتكاثرون كالجراد، التفوا حولي يتقدمهم الرجل الذي كان منا، و صاحوا :
- أنزع ثيابك مثلنا.
أحسست أنني مشدود بسلاسل حديدية، صرخت :
- لن أتجرد من ملابسي .
تقدم الرجل القادم من وراء البحر و قال :
- أنت الآن مبرمج أكلت طعامنـا، و شربت شرابنا و لبست لباسنا ، و صرت تتكلم كلامنا ، و عليك تنفيذ أوامرنا .
- هل تريد أن نبرهن لك على ذلك؟
أخرج من جيبه آلة صغيرة ، صوبها نحوي ، ضغط على زر أحمر ، انبعث منها صوت غريب أمرني بالرقص، فوجدت نفسي أرقص رقصة شعبية كان يؤديها المرحوم والدي في زمن الحصاد. قهقهوا، و قالوا :
- أرقص
- و ما تروني أفعل ؟
- قهقهوا :
- أنت تهرج .
ضغط على الزر الأحمر مرة ثانية ، وجدت نفسي
أقفز كالقرد ، صاحوا :
- تابع ، تابع ، أرفع رجلك ، أضرب بها على الأرض ، حرك مؤخرتك تمرغ على الأرض كالكلب، ثم أضافوا :
- الصوت، الصوت، نريد أن نسمع الغناء.
رحت أردد أغنية شعبية كنت حفظتها عن المرحومة والدتي قالوا:
- تعقل يا رجل، نريد غناء و ليس نعيق غربان.
رجعت أجهد الذاكرة ، كان ينبعث منهـا صـوت القنابل، والرصاص، والطائرات، فلا أسمع إلا صراخ أطفال، وعويل نساء ، أصرخ ،الأصوات تنتشر في جسمي كالأمواج الكهربائية، تملأ كل فراغات الذاكرة ، أصرخ في وجههم:
- لا أعرف إلا ما سمعتم واسمع.
- لا تكن أحمقا تذكر.
رحت أجهد الذاكرة من جديد، فلا أرى إلا أسلاكا شائكة، وجثثا مفحمة، صرخت ، في وجه الرجل القادم من وراء البحر:
- لا أذكر غير ما سمعتم وشاهدتم.
أخرج الرجل الغريب عنا من جيبه آلته الصغيرة ، ووجهها نحوي ، ضغط على الزر الأحمر من جديد تطايرت أزرار سروالي ، سقط إلى الأسفل ، قهقهوا، طفقت أستر سوأتي بيدي ، ضغط على الزر مـرة ثانية ، أرسلت الآلـة أمواجا كهربـائية، أحـرقت أصابعي ، إندفعت إلى ركن المنزل ورحـت أفتح العلب المكدسة داخل البيت، وأرمي بها في الخارج نكاية فيهم . تطايرت أقراص " الفياجرا" والألعـاب البلاستيكية في الجو، رأيت سكان البلدة يفعلون كما أفعل ، تلبدت السمـاء بغيـوم قاتمـة ، وبغزارة أمطرت.
استبشر سكان البلدة بالغيث بعد القحط، لكن العلماء قالوا:إن مذاقه كان مالحا، وأن الذكور الذين شربوا منه ظهرت عليهم علامات غريبة انتفخت بطونهم،وتضخمت أثداؤهم وظهر عليهم ما يشبه الحيض والوحم.